هل يستطيع ستارمر إعادة بريطانيا إلى بر الأمان؟

 قد يتظاهر رئيس الوزراء بأنه "يحب ويحترم" دونالد ترامب، لكن معاداة أمريكا في أوساط البرلمان مستعرة. وفي نقاش بمجلس اللوردات حول السمنة الأسبوع الماضي، اقترح اللورد بروك، عضو حزب العمال، فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على "المنتجات الأمريكية التي تسبب لنا صعوبات - كوكاكولا، بيبسي، كي إف سي، وماكدونالدز". وردّت الحكومة بأن الولايات المتحدة "حليف لا غنى عنه". وقد يكون هذا الموقف الجبان مبررًا سياسيًا اليوم، لكنه سيفشل غدًا.

إن التوقعات لبريطانيا ودول أخرى قاتمة. ويوم الأربعاء هو "يوم التحرير"، حيث ستُطبق رسوم ترامب الجمركية على مجموعة من السلع التي يحتمل أن تسبب انهيارًا للاقتصادات العالمية. والتوقعات بأن خضوع بريطانيا سينقذنا من نفس العقوبة التي تلقاها الآخرون شبه معدومة. أما مطالبة ترامب بإلغاء ضريبة القيمة المضافة على الواردات الأمريكية إلى المملكة المتحدة، فهي ابتزاز بالتهديدات لفائدة حُرم منها منتجونا. حتى لو كان تقبيل الحذاء كافيًا للتهدئة، فإلى أي مدى يمكن ان نبيع كرامتنا الوطنية بثمن بخس؟

تكتسب فكرة عودة بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي زخما شعبيا في الداخل، لا سيما أن خروجنا من الاتحاد يفقدنا 15% من تجارتنا معه. وتشير الدلائل إلى أن عودة روح التحالف تتجاوز الجيوش والأسلحة إلى التجارة وحراك الشباب. فإعادة تسليح أوروبا لا يرمز إلى المواجهة المباشرة مع الخصوم على الأرض، بل يعزز جبهة أوروبية موحدة تلعب دور الحارس على القيم الديمقراطية الليبرالية التي مزقتها سياسات ترامب الحالية.

أرسلت السفارات الأمريكية رسالة إلى دول الاتحاد الأوروبي تتضمن التصديق على أمر ترامب بالتزام الشركات والمنظمات الأجنبية المتعاقدة مع الولايات المتحدة بعدم تشغيل أي برامج تروّج للتنوع والمساواة والشمول. وردّت وزارة التجارة الخارجية الفرنسية بفظاظة على تلك الرسالة قائلة: ستدافع فرنسا وأوروبا عن الشركات والمستهلكين والقيم التي تؤمن بها هذه الدول.

ومن اللافت للانتباه أن هناك شركات كثيرة تخفي برامج التنوع والمساواة والشمول، كما تخفي خططها البيئية خوفا من ترامب. لكن العديد من الشركات تُخفي بالفعل، بهدوء، خططها البيئية والاجتماعية والحوكمة أو برامج التنوع والمساواة والشمول خوفًا منه. ومثال على هذه الشركات: شركة الإعلانات العملاقة WPP التي حذفت بهدوء الإشارة إلى "التنوع والمساواة والشمول" من تقريرها السنوي.

وأفادت مجلة "نيتشر" أن 75% من العلماء الأمريكيين يفكرون في مغادرة البلاد مع إلغاء برامج البحث، خوفًا من فقدان بياناتهم وأعمالهم. وفي جميع أنحاء أوروبا، يتراجع التأييد لأمريكا. وقد لا يكون العلماء "حشودًا متكتلة"، لكن هكذا أصبحت أرض الحرية الآن على هذا الجانب من المحيط. وبما أن أوروبا تعتبر معقلا للحرية فيترتب عليها، حفاظا على هذه الميزة، عدم الاستسلام لصفارات الإنذار التي تطلقها حركات اليمين المتطرف.

سيتم فرض الرسوم الجمركية في بريطانيا في أسبوع عصيب مع زيادة مساهمات أصحاب العمل في التأمين الوطني، إلى جانب زيادة بنسبة 5% في ضريبة المجلس في معظم الأماكن، رغم أن الارتفاع المرحب به في الحد الأدنى للأجور يمنح 3.5 مليون شخص دفعة أعلى بكثير من التضخم.

لكن مؤيدي حزب العمال أصيبوا بالصدمة بسبب هذا التخفيض المؤلم البالغ 5 مليارات جنيه إسترليني الذي هبط على الأسر ذات الإعاقة. وهذا التخفيض هو جزء بسيط من 36 مليار جنيه إسترليني التي أخبرني بها توم ووترز من معهد الدراسات المالية؛ حيث قام المحافظون بتخفيض جميع إعانات سن العمل ودفعوا 700 ألف طفل إضافي تحت خط الفقر. والصدمة هي أن حكومة حزب العمال، ستفعل هذا في توقيت سيئ، بينما تواجه البلاد وأوروبا التهديد الحضاري المتمثل في الإطاحة بقيم العدالة الاجتماعية التي تحتاج للدفاع عنها.

يحتاج حزب العمال الآن إلى إعادة النظر في مساره؛ إذ ليس هناك ما يدعو للخوف من المحافظين، طالما أن حزب العمال لا يدمر الاقتصاد. فلماذا نشيد بالضريبة الثابتة؟ ولماذا نعتقد بأنها تتوافق مع جيه دي فانس؟ هل نخاف من نايجل فاراج؟ ربما يكون فاراج قد استقطب بالفعل جميع ناخبي حزب العمال المتاحين، لكن الخطر الأكبر هو خسارة المحبطين أمام الديمقراطيين الليبراليين والخضر. ولكن يبدو أن حزب العمال عاجز عن استخدام سلطته غير المقيدة.

وفي ظل تعرّض القيم الديمقراطية للخطر يجب على حزب العمال إجراء إصلاحات عاجلة في المملكة: يجب عليه تسريع الإصلاح الحقيقي لمجلس اللوردات السخيف. كما يجب عليه إدخال إصلاح انتخابي قبل أن يفعل النظام الذي حقق أقل نتيجة ديمقراطية لحزب العمال في التاريخ الشيء نفسه أو أسوأ بالنسبة لحزب يحظى بدعم شعبي. وإذا كانت أوروبا ملاذ الحريات التي تم اكتسابها بشق الأنفس على مر العقود، فعلى جميع الدول الأوروبية أن تحذر من أي انزلاق نحو السياسات الأمريكية الحالية.

إن تصحيح النظلم الضريبي الفاسد ضروري جدا. فإعادة التوازن إلى ضريبة المجلس يمكن أن يخفضها عن 70% من الناس ويرفعها لمن يقدرون عليها ونسبتهم 30%. كما يجب تصحيح مئات الإعفاءات الضريبية التي وجد مكتب التدقيق الوطني أنها تبلغ مليارات الدولارات وهي غير مكلفة وغير خاضعة للرقابة من حيث فائدتها. ويجب إعادة النظر في ضريبة الخدمات الرقمية التي تفرضها شركات التكنولوجيا العملاقة مثل X وApple وMeta وAmazon وتجعل بريطانيا تفقد مالها وماء وجهها.

لقد وعد حزب العمال بـ"التغيير"، لكن كل هذه الإصلاحات تتطلب من حزب العمال تغيير نفسه، والتخلي عن الخوف والخنق السياسي المفروض من القمة. وليس لدى حزب العمال ما يخسره. ففي هذه الأيام التي يسودها انعدام ثقة سياسي عميق، فإن القيام بما هو ضروري، سواء أكان شعبيًا أم لا، سيضفي طابعًا سياسيًا أقوى. وبينما يقود ستارمر بريطانيا نحو تقارب جديد مع أوروبا من أجل الأمن والحماية، فإن تأكيد قيمنا الليبرالية المشتركة هو الدفاع الرئيسي ضد أي هجوم قادم من وراء المحيط الأطلسي.

المصدر: The Guardian

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب