بعد 75 عاما لا يزال حلف "الناتو" حبيس العصر النووي.. حان الوقت لإرسال القوات لأوكرانيا

أخبار الصحافة

بعد 75 عاما لا يزال حلف
صورة أرشيفية
انسخ الرابطhttps://r.rtarabic.com/xaiz

تحت هذا العنوان نشر الكاتب الأمريكي إدوارد لوتواك مقالا على موقع UnHerd يتناول فيه تبعات إرسال قوات فرنسية وبريطانية إلى أوكرانيا.

وجاء في المقال:

في عام 1944، سأل جنرال الجيش الأمريكي الذي أدار مشروع مانهاتن، ليزلي غروفز، كبير العلماء ج. روبرت أوبنهايمر، عن مدى القوة التي ستكون عليها قنبلتهم الجديدة. هل ستكون قوتها أقوى بعشر مرات من أكبر قنبلة في ذلك الوقت، وهي "قنبلة الزلزال" Tallboy التابعة لسلاح الجوي الملكي البريطاني؟ أو 50 مرة أو حتى 100 مرة؟ أجاب أوبنهايمر بأنه لا يستطيع التأكد من ذلك. وفي ذلك الوقت، كانت هناك مخاوف من سلسلة ردود الفعل المتفجرة التي قد لا تتوقف أبدا، لكنه توقع قنبلة أقوى بكثير من 100 Tallboy. بدوره أجاب غروفز على الفور بأن مثل هذا السلاح القوي لن يكون ذا فائدة كبيرة لأي شخص، لأن أحدا من "السياسيين" لن يجرؤ على استخدامه.

على المدى القصير، كان غروفز مخطئا، في حين كان تخمين أوبنهايمر صحيحا. وكانت قنبلة اليورانيوم التي ألقيت على هيروشيما في الواقع أقوى من 1000 قنبلة Tallboy، كما أن قنبلة البلوتونيوم التي ألقيت على ناغازاكي تجاوزت ذلك. ولكن، بعد مرور خمس سنوات فقط، تحققت توقعات غروفز. أدركت الولايات المتحدة أولا ثم الاتحاد السوفيتي وبعدهما كل قوة نووية ناجحة أن أسلحتها النووية كانت أقوى من أن تستخدم في القتال. وقد ظل هذا صحيحا في العقود التي تلت ذلك، وصولا إلى "غزو" أوكرانيا. فعلى الرغم من "تهديدات" بوتين باستخدام الأسلحة النووية، فإنه أيضا يخضع لتوقعات غروفز. وبعد عقود من محادثته مع أوبنهايمر، فهناك مخلص تاريخي موجز للحرب النووية يمكن أن يعلمنا الكثير عن الوضع في أوكرانيا، وكيف أن النصر هناك قد لا يمكن تحقيقه إلا من خلال وسائل أكثر تقليدية بكثير.

وكان أول اختبار للعصر النووي مع الحرب الكورية، حينما عبر مئات الآلاف من الجنود الصينيين نهر يالو عام 1950 لدعم حلفائهم الكوريين الشماليين ضد الولايات المتحدة. ومع تعرض الولايات المتحدة للخطر المباشر المتمثل في خسارة عشرات الآلاف من الرجال، قرر الجنرال دوغلاس ماك آرثر أن عليه استخدام الأسلحة النووية لوقف الصينيين. كان ماك آرثر هو القائد العسكري الأمريكي الأكثر احتراما في ذلك الوقت، فقد قاد القوات الأمريكية في المحيط الهادئ من الهزيمة المذلة إلى النصر الكامل، ثم لعب دور الإمبراطور الفعلي لليابان في إصلاح البلاد. وتوقع ماك آرثر أن يساعده ترومان في قراره العسكري الصارم. وبدلا من ذلك، كان جواب ترومان: كلا. أصر ماك آرثر فتم فصله.

أدرك ترومان أن طبيعة الحرب قد تغيّرت بشكل جذري منذ هيروشيما وناغازاكي. وعندما أذن بتلك الضربات، لم يكن هو ولا أي شخص آخر يعلم أن الانفجارات ستسبب أيضا تساقطا إشعاعيا، ما قد يؤدي إلى مرض وحتى قتل آلاف الأشخاص على بعد أميال من موقع التفجير. علاوة على ذلك، وفي عام 1945، كان ترومان يواجه احتمال خسارة عدد أكبر من القوات الأمريكية في غزو اليابان مقارنة بالحرب العالمية الثانية بأكملها حتى تلك اللحظة. لقد قاتل اليابانيون بالفعل حتى آخر رجل، وكان لا يزال لديهم مليوني جندي للاستهلاك. وكان من الممكن طرد ترومان من البيت الأبيض لو أنه سمح بقتل مئات الآلاف من الأمريكيين برفضه استخدام القنبلة.

ولكن، بعد خمس سنوات من هذا التاريخ، كان الوضع مختلفا تماما. وفي مواهة الكارثة في كوريا، كان أمام ترومان البديل المتمثل في إجلاء القوات الأمريكية إلى اليابان إذا فشلت كل السبل الأخرى، بالتالي فلم يفكر قط في استخدام الأسلحة النووية. وفي عهد الرئيس التالي، تطورت القنابل الانشطارية إلى قنابل اندماجية نووية حرارية أقوى بما لا يقل عن 100 ألف مرة من قوة Tallboy. لكن هذا جعل جواب "كلا" لترومان، في عام 1950، أكثر حسما. وأصبح الامتناع عن استخدام الأسلحة النووية هو الخيار الوحيد الممكن للأمريكيين والروس على حد سواء، كما أكدت ذلك أزمة الصواريخ الكوبية فيما بعد بشكل قاطع وحذر.

 ومع ذلك، سيستغرق الأمر وقتا أطول بكثير حتى يتطور المنطق إلى عقيدة نهائية. فبعد إنشاء حلف "الناتو" قبل 75 عاما، وخاصة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، بُذلت جهود مكثفة لانتزاع بعض المزايا الإضافية من الأسلحة النووية، واكتساب اليد العليا بطريقة أو بأخرى للتحالف الغربي الجديد. وتم تصنيع ما يسمى بـ "الأسلحة النووية التكتيكية" بشكل لا أكثر بل أقل قوة لتمكين استخدامها في ساحة المعركة. وادعى المدافعون عن هذه الأسلحة بأنها قادرة على توفير القوة النارية بتكلفة زهيدة للغاية، وبرؤوس حربية نووية صغيرة تكرر تأثير مدافع الهاوتزر مئات المرات. حصلت كل من القوات المسلحة الأمريكية والسوفيتية بما يكفي من الأسلحة النووية: وليس فقط القنابل "الصغيرة" للقاذفات المقاتلة، ولكن أيضا صواريخ القصف (بعضها صغير بما يكفي لحمله في سيارة جيب)، وصواريخ مضادة للطائرات، وطوربيدات، وحتى صواريخ محمولة.

إلا أن كل هذه الأوهام لم تكن مستدامة، وأدرك المخططون العسكريون أنه إذا حاول القادة الأمريكيون الدفاع عن أراضي "الناتو" من خلال مهاجمة القوات السوفيتية الغازية بأسلحة نووية "تكتيكية" صغيرة، فإن الروس سوف يستخدمون ترسانتهم الخاصة لتدمير القوات الغربية المدافعة. وينطبق الشيء نفسه على أي محاولة لاستبدال القوات العسكرية التقليدية بالأسلحة النووية. وهكذا كان من المفهوم أنه، وعلى الرغم من أن الأسلحة النووية تشكل رادعا مفيدا، إلا أنه لا يمكن استخدامها إلى للرد على هجوم نووي سابق، وليس لتحقيق أي نوع من النصر أبدا. في السبعينيات، عندما انخرطت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في مفاوضات "الحد من الأسلحة الاستراتيجية" المفصلة، والتي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، وافق المسؤولون من كلا الجانبين بسرعة على التوقف بهدوء عن تطوير وتصنيع ونشر أسلحة نووية "تكتيكية" جديدة، قبل أن يتم ذلك بالتساوي، وتفكيك عشرات الآلاف من هذه الأسلحة بهدوء.

ولكن في النهاية، كانت القوتان النوويتان الأحدث، الهند وباكستان، هما اللتان أظهرتا بشكل قاطع فائض في أسلحتهما النووية في كل ما يتجاوز الردع المتبادل. وفي حرب كارجيل عام 1999، والتي تضمنت عددا من المعارك واسعة النطاق وآلاف الضحايا، لم يحاول أي من الطرفين حتى التهديد بصوت عال بتوجيه ضربة نووية، وهو ما لا يزال صحيحا حتى يومنا هذا. وعندما بدأ دميتري مدفيديف، صاحب أعلى صوت هجومي لدى بوتين، بالصياح حول استخدام الأسلحة النووية "التكتيكية"، خرج بوتين وقال إن روسيا "لن تستخدم الأسلحة النووية إلا عندما يكون وجود الدولة ذاته تحت التهديد".

لقد انقلب الوضع في أوكرانيا مرة أخرى، لكن المنطق نفسه لا يزال قائما، وبعدما أصبح الموقف الأوكراني محفوفا بالمخاطر، وهو ما تقدمه كييف باعتباره مسألة مادية، وتطالب باستمرار بمزيد من الأسلحة والصواريخ، إلا أنه من الواضح أن ما يجبر كييف على التراجع خطوة بخطوة ليس الافتقار إلى القوة النارية، بل الافتقار إلى الجنود.

وحتى هذا الأسبوع، تشمل تعبئة الجنود الأوكرانيين سن 27 عاما، بعكس المعيار العالمي عند 18 عاما، وقد خفض زيلينسكي هذا إلى 25 عاما، مع إعفاء عدد من الأوكرانيين من الخدمة، ليبلغ تعداد القوات المسلحة أقل من 800 ألف فرد عامل. وتعاني أوكرانيا من العوائق بسبب التوزيع العمري لسكانها، حيث يمثل الأطفال وكبار السن تمثيلا مرتفعا مقارنة بالشباب في الفئة العمرية 19-35. لكن لا يزال مجموع قواتها منخفضا جدا بالنسبة إلى عدد السكان الذي يصل إلى 30 مليون نسمة وفقا لمعظم التقديرات.

يعني هذا أنه ما لم يقرر بوتين إنهاء الحرب، فسوف يتم إرجاع القوات الأوكرانية مرارا وتكرارا، ما سيؤدي إلى خسارة جنود لا يمكن استبدالهم في هذه العملية. ولا يتعين على روسيا حتى أن ترسل أفضل قواتها لتحقيق هذه الغاية، بل مجرد جنود متعاقدين. والجيش الروسي يفوق عدد الجيش الأوكراني فعليا، والفجوة تتسع يوما بعد يوم.

تعني هذه الحسابات أن دول "الناتو" سوف تضطر قريبا إلى إرسال جنود إلى أوكرانيا، وإلا فإنها ستتقبل الهزيمة الكارثية. ويستعد البريطانيون والفرنسيون جنبا إلى جنب مع دول الشمال بهدوء إلى إرسال قوات، سواء وحدات النخبة الصغيرة أو افراد الخدمات اللوجستية والدعم، الذين يمكنهم البقاء بعيدا عن الجبهة، ويمكن للأخيرين أن يعلبوا دورا أساسيا من خلال إطلاق سراح نظرائهم الأوكرانيين لإعادة تدريبهم على الأدوار القتالية. ويمكن لوحدات حلف "الناتو" أيضا أن تساعد الأوكرانيين المنشغلين حاليا في استعادة وإصلاح المعدات المتضررة، ويمكن أن تتولى الأجزاء الفنية من برامج التدريب الحالية للمجندين الجدد. قد لا يشارك جنود "الناتو" في القتال أبدا، لكن لا يتعين عليهم ذلك من أجل مساعدة أوكرانيا على تحقيق أقصى استفادة من قوتهم البشرية الشحيحة.

من الأهمية بمكان أنه مع اقتراب الصين من شن هجوم على تايوان، لا تستطيع الولايات المتحدة تقديم قوات أكثر من قواتها الموجودة في أوروبا بالفعل، والتي يبلغ تعدادها 40 ألف جندي. وهناك قرار بالغ الأهمية بالنسبة لأعضاء "الناتو" الآخرين، لا سيما الدول الأكثر اكتظاظا بالسكان: ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا. وإذا لم تتمكن أوروبا من توفير العدد الكافي من القوات، فإن روسيا سوف تكون لها الغلبة في ساحة المعركة، وحتى إذا نجحت الدبلوماسية في التدخل لتجنب كارثة كاملة، فإن القوة العسكرية الروسية سوف تعود منتصرة إلى أوروبا الوسطى. وعند تلك النقطة، سوف يكون لزاما على القوى الأوروبية الغربية أن تعيد بناء قواتها المسلحة، شاءت ذلك أم أبت، بدءا بعودة الخدمة العسكرية الإجبارية. وربما في مثل هذه الظروف قد نشهد اندلاع الحنين إلى الماضي النووي، والرجوع بحماقة إلى الوهم القاتل بأن الأسلحة المروعة قد تكون كافية للحفاظ على السلام.

المصدر: UnHerd

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

تويتر RT Arabic للأخبار العاجلة
موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا